بعدما انقضت مُدّة سجني بتهمةِ " اللا تهمة "، أخذت أجولُ بنظري فيما حولي .. حدّثتُ نفسي قائلًا : لم يتغيّر شيء ! حسنا ما الذي كنتُ أتوقعه مثلًا .. حدائق خلّابة أو ناطحات سحاب، يكفي بأنّ المنطقة هذه نائية قروية، ويكفي بأنني في دولةٍ عربية .. هذا وحده عذرٌ على عدم التغيير! أووه ..!! يا إلهي .. حتى تلك الـ " مطبة " لم يُغيّر مكانها بعد؛ ولكنّ هُناك صديقاتٌ قد جاوروها السكن! فتحةُ المجاري تلك .. أَ لم يُصلح غطائها بعض؟! حسنًا .. لن أشغُل بالي بالتفاهات، فليس هُناك تغيّرٌ سيطرأ خلال 3 سنواتٍ مضت. بعد برهةٍ من الزمن، ذهبتُ لِـ حلاقنا الهندي المُمتاز " أمجد "، رحّب فيّ حالما دخلتُ لِـ محل حلاقته .. بعكسِ النظراتِ التي توجهت لي حالما دخلت! ما هذه النظرات؟ ما الذي أجرمته يا ربّاه لِـ ينظُر لي الناس بهذا الكمِّ الهائل من الإستحقار؟ حسنًا .. لـ رُبما اخطأت؛ ولكنّ ذلك لا يعني بأنني مُخطئٌ على الدوام ولا أستحِقُ الغفران! فها أنا ذا قد ختمتُ القرآن .. وحفظته عن ظهر قلب! حسنًا .. لن أكذُب على نفسي، مُجتمعنا يرفضُ التغيير بشتى أنواعه، حتى التغيير من الاسوأ إلى الأفضل يرفضونه! ألقيت التحية على المُنتظرين أمثالي، فردوا التحية على مضض .. لو لم يكُن ردُّ السلامُ واجبًا لما لقيتُ جوابًا ! بدأ أمجد بحلاقة المُنتظرين واحدًا تلو الآخر .. إلى أن وصل دوري وأخيرًا! بعدما رتّبت شعري ولحيتي .. وبعدما أنهى أمجد حلاقتي، أخرجتُ لهُ خمس ريالاتٍ كـ المُعتاد! ضحك في وجهي قائلًا : - سبأة –سبعة- ريـال حبيبي، بس عشان إنتا زبون خلي خمس ريـال! نظرتُ لِـ وجهه بُرهةً ومن ثمّ شكرته ووضعتُ في يدهِ الـ خمس ريالات، حسنًا .. هناك تغيُّر، ربما ارتفعت الأسعارُ لِـ أنّ الرواتب قد ارتفعت أيضًا! وقِفتُ أمام الباب الزجاجي، أنظرُ لِـ المحال القريبة .. لم يتغيّر شيء، توجهتُ لِـ البقالةِ علَّني أجِدُ الهندي الآخر " إبراهيم " بشوش الوجه .. ضعيف البنية، علُّه يُرحبُ بي كما رحبُّ فيّ أمجد، فتحتُ الباب مُبتسمًا .. فصُدِمت، وسُرعان ما تلاشت ابتسامتي، من هذا؟ أين إبراهيم؟ هنديٌ آخر، سمينُ البنية .. متهكم الوجه! من سيشتري من رجلٍ ينظرُ بهذهِ النظرات لِـ زبائنه؟ بعد تلك الصدماتِ بأيامٍ معدودة، قلَّني ابنُ خالي معه لِـ نجول حول المدينة، ويُريني بعض التغييرات السيئة التي طرأت، كـ نظامٌ يكرهه الجميع .. لا أعلمُ لم؟ ساهر؟ حسنًا .. اسمٌ غريب حقًا؛ لكنّ فكرته جيّدة، لِم الغضبُ منه إذًا؟ حسنًا .. سأكونُ صادقًا أيضًا، كلُّ نظامٍ " يفرغ الجيب " يرفضهُ المجتمع ! لفت نظري " كوبري " لا زال قيد الإنشاء، يا إلهي! أَ هذا هو نفسه قبل ثلاثِ سنوات؟ وجُهتُ هذا السؤال لِـ ابن الخالِ صالح مُشيرًا لِـ ذلك " الكوبري "، قهقه ضاحكًا .. ومن ثُمَّ أردف : - ولن ينتهِ هذا إلّا بعد ثلاثِ سنواتٍ أخرى! - لِم التشاؤم هذا يا صاحبي؟ لربما قد واجهوا بعض المشاكلِ في بنائه. نظر إليَّ نظرةً غريبة .. بابتسامةٍ أغرب! ظننتُ لِـ وهلةٍ بأنّه أحد إخواننا الجن. حينما وددت الخلود للنوم، لم أستطِع .. ما الذي يحصل؟ إنني لا أستطيع تقبُّل التغيرات التي طرأت، والتغيرات التي لم تطرأ أيضًا! ما هذا؟ إني أختنقُ حقًا .. ما هذا أيضًا؟ هل أودُّ البكاء حقًا! لِم البكاء؟ لِـ حالي أم لِـ حال غيري؟ لا أعلم .. ليس هُناك ما أعلمه حقيقةً، لـ ربما خيالي الواسع صوّر لي بلادي في أحسنِ حال بعد ثلاثِ سنواتٍ من ذلك الحين.
بعد قُرابة شهر،
ها أنا أعودُ خلف القضبانِ مرةً أخرى، هنا أرتاحُ أكثر .. ما يحدُث خارجًا يؤلمني، لا أستطيع أن أعيش كـ ذلك، هكذا .. وحيدًا، بعيدًا عن الآخرين .. وعن المآسي، بعيدًا عن نظراتِ الآخرين .. هكذا أفضل، أجرمتُ مرةً أخرى! لن أعود .. أبدًا لن أعود، سأموتُ هنا .. سأتلاشى هُنا، لا أعرِفُ أحدًا، ولا يعرفني أحد .. أنا هُنا سعيدٌ جدًا.
بِـ قلمي : أحمد بن سعيد. وعُذرًا إن لم تكُن بحجمِ رُقيِّكُم، كتبتها للتو .. لم أُركِز فيما أكتب، لكنني حاولتُ أن أنظرُ بنظرةٍ سجينٍ حُرِر.
مغترررب لطالما جذبتني تلك الثقافه والروح الدفيينه بك..
حقااا ابدعت بحجم السمااء..
نظرره واقيعه بحته لما يحدث هنا ويجول هناك..
عسى ان يحدث الله بعد هاذا امررا يعدل من بعض الاخطاء..
قلمم مببدع ورووح انسانه استنشقتها من بين ثنايا احرفك..
بحق اعجبني كثيييرا ماخطته اناملك من همس..
باقة شكرر لك..