عرض مشاركة واحدة
قديم 05-19-09, 09:17 AM   #42
ღ..صاحب السمو..ღ‏
كوفي متألق


الصورة الرمزية ღ..صاحب السمو..ღ‏
ღ..صاحب السمو..ღ‏ غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 846
 تاريخ التسجيل :  May 2009
 المشاركات : 815 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: }}{{ السيرة النبوية }}{{ كاملة ــ بدءًا من مولده وحتى وفاته صلى الله عليه وسلم



نظرة على الغزوات




إذا نظرنا إلى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه، لا يمكن لنا ولا لأحد ممن ينظر في أوضاع الحروب وآثارها وخلفياتها ـ لا يمكن لنا إلا أن نقول‏:‏

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكبر قائد عسكري في الدنيا، وأشدهم وأعمقهم فراسة وتيقظاً، إنه صاحب عبقرية فذة في هذا الوصف، كما كان سيد الرسل وأعظمهم في صفة النبوة والرسالة، فلم يخض معركة من المعارك إلا في الظرف ومن الجهة اللذين يقتضيهما الحزم والشجاعة والتدبير، ولذلك لم يفشل في أي معركة من المعارك التي خاضها لغلطة في الحكمة وما إليها من تعبئة الجيش وتعيينه على المراكز الاستراتيجية، واحتلال أفضل المواضع وأوثقها للمجابهة، واختيار أفضل خطة لإدارة دفة القتال، بل أثبت في كل ذلك أن له نوعاً آخر من القيادة غير ما عرفتها الدنيا في القواد‏.‏ ولم يقع ما وقع في أُحد وحنين إلا من بعض الضعف في أفراد الجيش ـ في حنين ـ أو من جهة معصيتهم أوامره وتركهم التقيد والالتزام بالحكمة والخطة اللتين كان أوجبهما عليهم من حيث الوجهه العسكرية‏.‏

وقد تجلت عبقريته صلى الله عليه وسلم في هاتين الغزوتين عند هزيمة المسلمين، فقد ثبت مجابهاً للعدو، واستطاع بحكمته الفذة أن يخيبهم في أهدافهم ـ كما فعل في أحد ـ أو يغير مجري الحرب حتى يبدل الهزيمة انتصاراً ـ كما في حنين ـ مع أن مثل هذا التطور الخطير، ومثل هذه الهزيمة الساحقة تأخذان بمشاعر القواد، وتتركان على أعصابهم أسوأ أثر، لا يبقي لهم بعد ذلك إلا هم النجاة بأنفسهم‏.‏

هذه من ناحية القيادة العسكرية الخالصة، أما من نواح أخري، فإنه استطاع بهذه الغزوات فرض الأمن وبسط السلام، وإطفاء نار الفتنة، وكسر شوكة الأعداء في صراع الإسلام والوثنية، وإلجائهم إلى المصالحة، وتخلية السبيل لنشر الدعوة، كما استطاع أن يتعرف على المخلصين من أصحابه ممن هو يبطن النفاق، ويضمر نوازع الغدر والخيانة‏.‏

وقد أنشأ طائفة كبيرة من القواد، الذين لاقوا بعده الفرس والرومان في ميادين العراق والشام، ففاقوهم في تخطيط الحروب وإدارة دفة القتال، حتى استطاعوا إجلاءهم من أرضهم وديارهم وأموالهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكيهن‏.‏

كما استطاع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بفضل هذه الغزوات أن يوفر السكني والأرض والحرف والمشاغل للمسلمين، حتى تَفَصَّي من كثير من مشاكل اللاجئين الذين لم يكن لهم مال ولا دار، وهيأ السلاح والكُرَاع والعدة والنفقات، حصل على كل ذلك من غير أن يقوم بمثقال ذرة من الظلم والطغيان والبغي والعدوان على عباد اللّه‏.‏

وقد غير أغراض الحروب وأهدافها التي كانت تضطرم نار الحرب لأجلها في الجاهلية، فبينما كانت الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والإغارة والظلم والبغي والعدوان، وأخذ الثأر، والفوز بالوَتَر، وكبت الضعيف، وتخريب العمران، وتدمير البنيان، وهتك حرمات النساء، والقسوة بالضعاف والولائد والصبيان، وإهلاك الحرث والنسل، والعبث والفساد في الأرض ـ في الجاهلية ـ إذ صارت هذه الحرب ـ في الإسلام ـ جهاداً في تحقيق أهداف نبيلة ، وأغراض سامية، وغايات محمودة، يعتز بها المجتمع الإنساني في كل زمان ومكان، فقد صارت الحرب جهاداً في تخليص الإنسان من نظام القهر والعدوان، إلى نظام العدالة والنَّصَف، من نظام يأكل فيه القوي الضعيف، إلى نظام يصير فيه القوي ضعيفاً حتى يؤخذ منه، وصارت جهاداً في تخليص ‏{‏وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏75‏]‏‏.‏ وصارت جهاداً في تطهير أرض اللّه من الغدر والخيانة والإثم والعدوان، إلى بسط الأمن والسلامة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق والمروءة‏.‏

كما شرع للحروب قواعد شريفة ألزم التقيد بها على جنوده وقوادها، ولم يسمح لهم الخروج عنها بحال‏.‏ روي سليمان بن بريدة عن أبيه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوي اللّه عز وجل، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال‏:‏ ‏(‏اغزوا بسم اللّه، في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا، فلا تغلوا، ولاتغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏ وكان يأمر بالتيسير ويقول‏:‏ ‏(‏يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا‏)‏‏.‏

وكان إذا جاء قوماً بِلَيْل لم يُغِرْ عليهم حتى يُصبِح، ونهي أشد النهي عن التحريق في النار، ونهي عن قتل الصبر، وقتل النساء وضربهن، ونهي عن النهب حتى قال‏:‏ ‏(‏إن النُّهْبَى ليست بأحل من الميتة‏)‏، ونهي عن إهلاك الحرث والنسل وقطع الأشجار إلا إذا اشتدت إليها الحاجة، ولا يبقي سواه سبيل‏.‏ وقال عند فتح مكة‏:‏ ‏(‏لا تجهزن على جريح، ولا تتبعن مدبراً، ولا تقتلن أسيراً‏)‏، وأمضى السنة بأن السفير لا يقتل، وشدد في النهي عن قتل المعاهدين حتى قال‏:‏ ‏(‏من قتل معاهداً لم يُرِحْ رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً‏)‏، إلى غير ذلك من القواعد النبيلة التي طهرت الحروب من أدران الجاهلية حتى جعلتها جهاداً مقدساً‏.







*الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً :

كانت غزوة فتح مكة ـ كما قلنا ـ معركة فاصلة، قضت على الوثنية قضاء باتاً، عرفت العرب لأجلها الحق من الباطل، وزالت عنهم الشبهات، فتسارعوا إلى اعتناق الإسلام‏.‏ قال عمرو بن سلمة‏:‏ كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم‏:‏ ماللناس‏؟‏ ما للناس‏؟‏ ما هذا الرجل‏؟‏ ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيقولون‏:‏ يزعم أن اللّه أرسله، أوحي إليه، أوحي اللّه كذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام، فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون‏:‏ اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق‏.‏ فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال‏:‏ جئتكم واللّه من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً‏.‏ فقال‏:‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وهذا الحديث يدل مدي أثر فتح مكة في تطوير الظروف، وتعزيز الإسلام، وتعيين الموقف للعرب، واستسلامهم للإسلام، وتأكد ذلك أي تأكد بعد غزوة تبوك، ولذلك نري الوفود تقصد المدينة تتري في هذين العامين ـ التاسع والعاشر ـ ونري الناس يدخلون في دين اللّه أفواجاً، حتى إن الجيش الإسلامي الذي كان قوامه عشرة آلاف مقاتل في غزوة الفتح، إذا هو يزخر في ثلاثين ألف مقاتل في غزوة تبوك قبل أن يمضي على فتح مكة عام كامل، ثم نري في حجة الوداع بحراً من رجال الإسلام ـ مائة ألف من الناس أو مائة ألف وأربعة وأربعون ألفا منهم ـ يموج حول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالتلبية والتكبير والتسبيح والتحميد، تدوي له الآفاق، وترتج له الأرجاء‏.‏


الـوفـــود

والوفود التي سردها أهل المغازي يزيد عددها على سبعين وفداً، ولا يمكن لنا استقصاءها، وليس كبير فائدة في بسط تفاصيلها، وإنما نذكر منها إجمالاً ماله روعة أو أهمية في التاريخ، وليكن على ذكر من القارئ أن وفادة عامة القبائل وإن كانت بعد الفتح، ولكن هناك قبائل توافدت قبله أيضاً‏:‏


1 ـ وفد عبد القيس‏:‏

كانت لهذه القبيلة وفادتان‏:‏ الأولي سنة خمس من الهجرة أو قبل ذلك‏.‏ كان رجل منهم يقال له مُنْقِذُ بن حيان، يَرِدُ المدينة بالتجارة، فلما جاء المدينة بتجارته بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم الإسلام أسلم، وذهب بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا، فتوافدوا إليه في شهر حرام في ثلاثة أو أربعة عشر رجلاً، وفيها سألوا عن الإيمان وعن الأشربة، وكان كبيرهم الأشج العصري الذي قال فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن فيك خصلتين يحبهما اللّه‏:‏ الحلم والأناة‏)‏‏.‏

والوفادة الثانية كانت في سنة الوفود، وكان عددهم فيها أربعين رجلاً، وكان فيهم الجارود بن العلاء العبدي، وكان نصرانياً فأسلم وحسن إسلامه‏.‏

2 ـ وفد دَوْس‏:‏

كانت وفادة هذه القبيلة في أوائل سنة سبع، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخيبر ، وقد قدمنا حديث إسلام الطُّفَيْل بن عمرو الدوسي، وأنه أسلم ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم رجع إلى قومه، فلم يزل يدعوهم إلى الإسلام، ويبطئون عليه حتى يئس منهم، ورجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فطلب منه أن يدعو على دوس، فقال‏:‏ ‏(‏اللهم اهد دوساً‏)‏‏.‏ ثم أسلم هؤلاء، فوفد الطفيل بسبعين أو ثمانين بيتا من قومه إلى المدينة في أوائل سنة سبع، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخيبر، فلحق به‏.‏

3 ـ رسول فَرْوَة بن عمرو الجُذَامي‏:‏

كان فروة قائداً عربياً من قواد الرومان، عاملاً لهم على من يليهم من العرب، وكان منزله مَعَان وما حوله من أرض الشام، أسلم بعد ما رأي من جلاد المسلمين وشجاعتهم، وصدقهم اللقاء في معركة مؤتة سنة 8 هـ، ولما أسلم بعث إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رسولاً بإسلامه، وأهدي له بغلة بيضاء، ولما علم الروم بإسلامه أخذوه فحبسوه، ثم خيروه بين الردة والموت، فاختار الموت على الردة، فصلبوه بفلسطين على ماء يقال له‏:‏ عفراء، وضربوا عنقه‏.‏

4 ـ وفد صُدَاء‏:‏

جاء هذا الوفد عقب انصراف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الجِعْرَانة سنة 8 هـ ، وذلك أن رسول اللّّه صلى الله عليه وسلم هيأ بعثاً من أربعمائة من المسلمين، وأمرهم أن يطأوا ناحية من اليمن فيها صُدَاء، وبينما ذلك البعث معسكر بصَدْرِ قَنَاة علم به زياد بن الحارث الصدائي، فجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ جئتك وافداً على مَنْ ورائي، فاردد الجيش وأنا لك بقومي، فرد الجيش من صدر قناة، وجاء الصدائي إلى قومه فرغبهم في القدوم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه خمسة عشر رجلاً منهم، وبايعوه على الإسلام، ثم رجعوا إلى قومهم، فدعوهم ففشا فيهم الإسلام، فوافي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع‏.




.







5 ـ قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى‏:‏

كان من بيت الشعراء، ومن أشعر العرب، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف سنة 8هـ ، كتب إلى كعب بن زهير أخوه بُجَيْر بن زهير أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قتل رجالاً بمكة ممن كانوا يهجونه ويؤذونه، ومن بقي من شعراء قريش هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فَطِرْ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، وإلا فانج إلى نجاتك، ثم جري بين الأخوين مراسلات ضاقت لأجلها الأرض على كعب، وأشفق على نفسه، فجاء المدينة، ونزل على رجل من جُهَيْنَةَ، وصلي معه الصبح، فلما انصرف أشار عليه الجهني، فقام إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏‏.‏ قال‏:‏ أنا كعب بن زهير، فوثب عليه رجل من الأنصار يستأذن ضرب عنقه، فقال‏:‏ ‏(‏دعه عنك، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه‏)‏‏.‏

وحينئذ أنشد كعب قصيدته المشهورة التي أولها‏:‏

بانت سعاد فقلبي اليوم مَتْبُول ** مُتَيَّمٌ إثْرَهَا، لم يُفْدَ، مَكْبُول

قال فيها ـ وهو يعتذر إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويمدحه‏:‏

نبئت أن رسول الله أوعدني ** والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ ** قرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذن بأقوال الوشاة ولم ** أذنب، ولو كثرت فيَّ الأقاويل

لقد أقوم مقاما ما لو يقوم به ** أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل

لظل يرعد إلا أن يكون له ** من الرسول بإذن الله تنويل

حتى وضعت يميني ما أنازعه ** في كف ذي نقمات قيله القيل

فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ** وقيل‏:‏ إنك منسوب ومسئول

من ضيغم بضراء الأرض مخدرة ** في بطن عثر غيل دونه غيل

إن الرسول لنور يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول

ثم مدح المهاجرين من قريش؛ لأنهم لم يكن تكلم منهم رجل في كعب حين جاء إلا بخير، وعرض في أثناء مدحهم على الأنصار لاسئذان رجل منهم في ضرب عنقه، قال‏:‏

يمشون مَشْي الجمال الزُّهْرِ يعصمهم ** ضَرْبٌ إذا عَرَّد السُّودُ التَّنَابِيل

فلما أسلم وحسن إسلامه مدح الأنصار في قصيدة له، وتدارك ما كان قد فرط منه في شأنهم، قال في تلك القصيدة‏:‏

من سره كَرَمُ الحــياة فلا يَزَلْ ** في مِقْنَبٍ من صالحي الأنصار

ورثوا المكارم كابراً عن كـابر ** إن الخـيار هـم بنـو الأخيار

6 ـ وفد عُذْرَة‏:‏

قدم هذا الوفد في صفر سنة 9 هـ، وهم اثنا عشر رجلاً فيهم حمزة بن النعمان، قال متكلمهم حين سئلوا ‏(‏من القوم‏؟‏‏)‏‏:‏ نحن بنو عُذْرَة، إخوة قُصَي لأمه، نحن الذين عضدوا قصياً، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، لنا قرابات وأرحام، فرحب بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبشرهم بفتح الشام، ونهاهم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها‏.‏ أسلموا وأقاموا أياماً ثم رجعوا‏.‏

7 ـ وفد بَلِي‏:‏

قدم في ربيع الأول سنة 9 هـ، وأسلم وأقام بالمدينة ثلاثاً، وقد سأل رئيسهم أبو الضُّبَيْب عن الضيافة هل فيها أجر‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نعم، وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة‏)‏، وسأل عن وقت الضيافة، فقال‏:‏ ‏(‏ثلاثة أيام‏)‏، وسأل عن ضالة الغنم، فقال‏:‏ ‏(‏هي لك أو لأخيك أو للذنب‏)‏، وسأل عن ضالة البعير‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏مالك وله‏؟‏ دعه حتى يجده صاحبه‏)‏‏.‏

8 ـ وفد ثقيف‏:‏

كانت وفادتهم في رمضان سنة 9 هـ، وقصة إسلامهم أن رئيسهم عروة بن مسعود الثقفي جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من غزوة الطائف في ذي القعدة سنة 8 هـ قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم عروة، ورجع إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام ـ وهو يظن أنهم يطيعونه ؛ لأنه كان سيدا مطاعاً في قومه، وكان أحب إليهم من أبكارهم ـ فلما دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل من كل وجه حتى قتلوه، ثم أقاموا بعد قتله أشهراً، ثم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب مَنْ حولهم من العرب ـ الذين كانوا قد بايعوا وأسلموا ـ فأجمعوا أن يرسلوا رجلاً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكلموا عَبْد يالِيل بن عمرو، وعرضوا عليه ذلك فأبي، وخاف أن يصنعوا به إذا رجع مثل ما صنعوا بعروة‏.‏ وقال‏:‏ لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً، فبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك، فصاروا ستة فيهم عثمان بن أبي العاص الثقفي، وكان أحدثهم سناً‏.‏

فلما قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو يدعوهم إلى الإسلام، حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضية صلح بينه وبين ثقيف، يأذن لهم فيه بالزنا وشرب الخمور وأكل الربا، ويترك لهم طاغيتهم اللات، وأن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يقبل شيئاً من ذلك، فخلوا وتشاوروا فلم يجدوا محيصاً عن الاستسلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فاستسلموا وأسلموا، واشترطوا أن يتولي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هدم اللات، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم أبداً‏.‏ فقبل ذلك، وكتب لهم كتاباً، وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي ؛ لأنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم الدين والقرآن‏.‏ وذلك أن الوفد كانوا كل يوم يغدون إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص في رحالهم، فإذا رجعوا وقالوا بالهاجرة عمد عثمان بن أبي العاص إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستقرأه القرآن، وسأله عن الدين، وإذا وجده نائماً عمد إلى أبي بكر لنفس الغرض ‏(‏وكان من أعظم الناس بركة لقومه في زمن الردة، فإن ثقيفاً لما عزمت على الردة قال لهم‏:‏ يا معشر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلاماً، فلا تكونوا أول الناس ردة، فامتنعوا عن الردة، وثبتوا على الإسلام‏)‏‏.‏

ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة، وخوفهم بالحرب والقتال، وأظهر الحزن والكآبة، وأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سألهم الإسلام وترك الزنا والخمر والربا وغيرها وإلا يقاتلهم‏.‏ فأخذت ثقيفاً نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقي اللّه في قلوبهم الرعب، وقالوا للوفد‏:‏ ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل‏.‏ وحينئذ أبدي الوفد حقيقة الأمر، وأظهروا ما صالحوا عليه، فأسلمت ثقيف‏.‏

وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجالاً لهدم اللات، أمر عليهم خالد بن الوليد، فقام المغيرة ابن شعبة، فأخذ الكُرْزِين وقال لأصحابه‏:‏ واللّه لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين، ثم سقط يركض، فارتج أهل الطائف، وقالوا‏:‏ أبعد اللّه المغيرة، قتلته الرَّبَّةُ، فوثب المغيرة فقال‏:‏ قبحكم اللّه، إنما هي لُكَاع حجارة ومَدَر، ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا أعلى سورها، وعلا الرجال فهدموها وسووها بالأرض حتى حفروا أساسها، وأخرجوا حليها ولباسها، فبهتت ثقيف، ورجع خالد مع مفرزته إلى رسول اللّْه صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، وحمد الله على نصرة نبيه وإعزاز دينه‏.


.





يتبع