مشاهدة النسخة كاملة : مقال دعوي بعنوان {ووصينا الإنسان بوالديه حسناً }


اح ،، ــسـآآآس~
10-01-15, 10:10 AM
لقد حث الإسلام ، هذا الدين الحنيف الصالح لكل زمان ومكان على بر الوالدين في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه  لما لهما من فضل وحقوق على الأبناء ، فقال جل من قائل سبحانه : { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً } [ العنكبوت 8] ، وقال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك } [لقمان 14] فهي أي الأم في تعب وجُهد من قبل الولادة ثم أثناءها ثم بعدها، وكذلك الأب يسهر لتعب الابن ويحزن لمرضه ، ويقلق ويخاف عليه أثناء غيابه ، فاستحقا بذلك البر بهما ، فهما - أي الأبوان- ربيا أطفالهما صغاراً واعتنوا بهما كباراً، فاستحقا بذلك الشكر والبر جزاء ما قدما وقاما به من حسن التربية والتنشئة ، واستحقا البر جزاءً موفوراً ، فبر الوالدين واجب وفريضة على الأبناء ، وفي برهما أجر كبير وثواب عظيم ، فبرهما من أفضل الأعمال وحقهما هو الحق الثالث بعد حق الله تعالى وحق نبيه  .
وبر الوالدين مقدم على بر غيرهما من الناس ، سواءً الأولاد أو الزوجة أو الأصدقاء أو الأقرباء ، أوغير أولئك من الناس ، بر الوالدين مقدم على أولئك جميعاً .
وبر الوالدين يكون بكل ما تصل إليه يد الأبناء من طعام وشراب وملبس وعلاج وكل ما يحتاجانه من خدمة وبر ومعروف قال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنه قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } [ الأحقاف 15/16] .
وعن أبي عبد الرحمن عبدالله بن مسعود  قال : سألت النبي  : أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال : (( الصلاة على وقتها )) قلت ثم أي ؟ قال : (( بر الوالدين )) قلت ثم أي ؟ قال : (( الجهاد في سبيل الله)) [ متفق عليه] .
فجعل رسول الله  ، بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله ، وما ذاك إلا لعظم حقهما على أبنائهما ، فالأم حملت ووضعت وأرضعت وأطعمت وسقت وسهرت وتعبت ، فكان لبنها الغذاء والطعام ، وحجرها المرقد والمنام ، والأب يعطي وينفق ويعمل ليل نهار من أجل توفير المسكن والملبس والمطعم والمشرب فوجب برهما ، ومن برهما الإنفاق عليهما ، وشراء الطعام والشراب الذي يشتهيانه لهما ، وإدخال الفرح والسرور عليهما ولو كان ذلك على حساب الأبناء ، ومساعدتهما في كل ما يحتاجانه من أعمال ، ومن برهما أن لا يجلس الابن وأبواه واقفان ، وأن لا يمشي أمامهما ، ولا يركب السيارة حتى يركب أبوه وأمه قبله ، ويساعدهما في النزول والقعود والنهوض والوقوف إذا احتاجا إلى ذلك ، ويجلس معهما حال مرضهما ويسعى جاهداً لعلاجهما ، ولا يبخل عليهما بمال ولا وقت ، ولا يدخر جهداً في إرضائهما ، ويحثهما على الدعاء له في كل وقت وحين ، ويدعوا هو لهما لعل الله أن يرحمها بكثرة دعاءه لهما ، قال تعالى : { وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً } [ مريم 14 ] أثنى الله عز وجل على يحيى على السلام لبره بوالديه .
وقال تعالى : { وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً } [ مريم 32] وذكر الله تعالى عيسى عليه السلام وماله من صفات وهبها الله إياه ومنّ بها عليه ، وذكر منها بره بوالدته .
ومهما قدم الأبناء من بر لوالديهم فلن يوفوهم حقوقهم لأن لهما قدم السبق في ذلك ، عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله : (( لا يجزي ولد والداً ، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه )) [ مسلم] .
وعن أنس  ، أن رسول  قال : (( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه )) [ متفق عليه] .
فالحديث يدل على أن صلة الرحم سبب في توسيع الرزق وزيادته وكثرة طرق الخير وأبوابه ، وزيادة في العمر وطول الأجل ، ومن أوكد وألزم صلة الرحم بر الوالدين ، فبرهما سبب لبسط الرزق وزيادته ، وطول العمر وامتداده ، وعقوقهما سبب لقلة الرزق وضيق المعيشة ، وقصر الأجل وسوء الخاتمة ، قال  : (( من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه )) [ أحمد ] .
وعن عبدالله بن عمر قال : (( رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد )) [ رواه البخاري في صحيح الأدب المفرد ] وقال الألباني رحمه الله تعالى ، حسن موقوفاً ، وصحيح مرفوعاً .
وقال بن عباس : ( إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة ) [ صحيح الأدب المفرد ] .
وفي الأدب المفرد للبخاري من حديث عبدالله بن عمر أن رجلاً جاء إلى النبي  يبايعه على الهجرة ، وترك أبويه يبكيان ، فقال : (( ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما )) .
فانظر كيف حث الشارع على احترام الوالدين وبرهما فلم يؤذن لذلك الرجل بالهجرة حتى يضحكهما وهذا والله من كمال هذا الدين الحنيف ، دين الإسلام العظيم ، ومن رحمة سيد الخلق بالآباء والأمهات ، وأكثر ما يحتاج الوالدين إلى الأبناء عند كبرهما وطعنهما في السن ، فيحتاجان من أبنائهما البر ، بل أشد البر ، وأوفى الكيل ، وأعطف الحال ، وأطيب الكلام ، في هذه السن المتقدمة ، فيجب برهما ومساعدتهما على الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ ، والنهوض والجلوس ، واللبس والخلع ، والخروج والدخول ، بل حتى لو احتاج الأمر إلى أن يدخلهما المرحاض ويزيل الأذى عنهما لوجب عليه ذلك .
ويحتاجان في هذه السنة المتأخرة من العمر إلى مزيد الإنفاق عليهما ، لعدم قدرتهما على العمل واستحصال ما تقوم به حياتهما من أكل وشرب ولبس وغير ذلك من مقومات الحياة ، فوجب الإنفاق عليهما دون تردد أو تكاسل ، أو بخل أو شح .
قال  : (( لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه ، إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاع أقرع )) [ أبو داود وهو حسن ] ، فإذا سأل الوالدان الابن فضلا يملكه من ماله فلا يتأخر ولايتكلكل ويتململ ، بل يسرع إلى طلبهما وإعطائهما ما يحتاجانه من ذلك الفضل ، وإن لم يفعل ذلك مثل له يوم القيامة ذلك المال الذي يبخل به ثعباناً ذهب شعر رأسه من شدة السم .
كانت تلك جملاً من بعض بر الأبناء بالوالدين ، أما العقوق - أعاذنا الله جميعاً منه - فإنه محرم ، ممقوت صاحبه ، متوعد بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، وهو مقرب للنيران ، ومبعد عن الجنان .
فهذا القاسي القلب ، الجاحد الناكر ، الشقي النفس، الخبيث الطباع، المتحجر الضمير، الذي يريد كل شيء لنفسه فكل همه أن يأخذ ولا يعطي، ويُخدم ولا يَخدم، يطيب كلامه مع الناس، ويسوء مع والديه، يتحبب ويتودد إلى الناس، ويتنكر لوالديه، يتبسم في وجوه الآخرين ويعبس في وجه والديه، ويختار الأحجار الكلامية والنابية لوالديه، وينظر إليهما بعين الجحود، ويتصرف مع والديه بوحشيه وهمجية وبأمور تسلطية تعسفية ، فإذا سمع هذا العاق لوالديه منهما مالا يرضيه، يذل أمه ويبكيها ويبطش بأبيه ويرميه ويعز زوجته ويرضيها، إذا حصل شجار بين الأبوين والزوجة أسرع إلى إرضاء زوجته، وخطأ والديه وأشبعهما سباً وركلاً، يأكل وزوجته ويجوع والداه، يشتري لزوجته أفخر الملابس وأغلاها وأحسنها، وإذا وجد مع أمه قميصاً أو قميصين اتهمها بالتبذير والبذخ، يكرم زوجته، ويهين أمه المسكينة التي حملته اشهراً عدة، صامت ليأكل، وعطشت ليروى، وقامت ليقعد، وسهرت لينام، وحزنت ليفرح، ثم قابل ذلك كله بالجحود والعقوق ، قال  : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ )) (ثلاثا) ، قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : (( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئاً ألا وقول الزور )) فما زال يكررها حتى قلت : ليته سكت [ الأدب المفرد وهو صحيح ] .
فحال هذا العاق مع والده، حال محزنة، فإذا وقف أبوه جلس هو ومد رجليه، وإذا ناقش أبوه أظهر له علمه هو وجهل أبيه، يناديه والده فلا يجيب، ويأمره فلا يطيع، وإن أعان والديه بمال تكبر واستعلى يدير ظهره لأبويه وهو يكلمهما، تراه راكباً سيارته وأبوه واقف أمامه يخاطبه، يهرب من أبويه الفقيرين لا يمد لهما يد المساعدة والعون، ويوم يصبح ذا منصب وشوكة ومكانة ويكلمه أبوه أمام الناس صب عليه جام غضبه ، وأشبعه من اللعنات ، وأوسعه باللكمات ، يبتعد عن والديه أميالاً حتى لا يقول الناس هذان أبوا ذلك الرجل، ولم يعلم ذلك العاق أن دمعة الأبوين المظلومين بسبب ظلم الأبناء تقع من الله بمكان ، ويجعلها على العاقين ناراً ووبالاً ، فرضى الله من رضاهما، وسخطه سبحانه من سخطهما والظلم ظلمات يوم القيامة، قال تعالى : { والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين  أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والأنس إنهم كانوا خاسرين } [ الأحقاف17/18 ] .
وقال تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } [ الإسراء23/24 ] .
قال  : (( من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال : (( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه )) [ متفق عليه ] .
وقال  : (( لعن الله من لعن والديه)) [ صحيح الأدب المفرد ] .
ففي الأحاديث السالفة الذكر الوعيد الشديد لمن عق والديه أو أساء إليهما ولو بالإشارة ولو بأقل كلمة وهي ( أف ) ، فيحرم عقوقهما أو سبهما أو شتمهما أو إهانتهما، ويحرم إلحاق الأذى بهما .
فأين أولئك الطغاة الظلمة ؟ أين أولئك القساة العاقين ؟ عن تلك الآيات والأحاديث الصحاح ، والتي أمر الله فيها ببر الوالدين والإحسان إليهما ورهب وخوف من عقوقهما ، وألزم وأوجب برهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، فهما أقرب الرحم للرجل قال تعالى : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } [ محمد 22-23] .
وقال تعالى : { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } [ الرعد 25 ] .
فأخبر الله سبحانه أن العقوق من أكبر الكبائر، وقطيعة الرحم تدل على العقوق لأن الوالدين من الرحم بل أقرب الرحم للرجل والمرأة، لهذا استحق العاق لوالديه اللعنة من الله عز وجل، واللعن : يعني الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، وقد توعد الله عز وجل العاق بالعقوبة الشديدة يوم القيامة وهي سوء العاقبة فتكون عاقبة العاق يوم القيامة عاقبة وخيمة وهو ملعون مطرود من رحمة ربه - ولا حول ولا قوة إلا بالله – واعلم أن العقوق دين ، فكما يدين الإنسان يُدان، فمن عق والديه عقه أبناؤه عندما يكون في أمس الحاجة لهم في كبره، فلا يجد منهم إلا اللعن والشتم والضرب والطرد بل وقد يقذفون به في دار العجزة حتى يلقى حتفه، هذا هو الجزاء الأرضي لمن عق والديه أن يعقه أبناؤه، قال  : (( برَّوا إباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم )) [ الطبراني بإسناد جيد ] .


كتب بواسطة : سارة شريم العتيبي . جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .كلية الدعوة والإعلام . قسم الدعوة والاحتساب

ملكة بأخلاقي
10-09-15, 08:27 PM
جزاك الله خير