مشاهدة النسخة كاملة : الأميرة الجازي بنت سعود بن عبدالعزيز ولقاء خاص مع عالم المرأة


دانيال
01-10-13, 08:24 PM
هل يفتح الأمير الوليد بن خالد بوابة الأمل

في علاج مرضى الغيبوبة؟

فاطمة الصفدي– رفيعة محمد حامد

رحلةٌ شبابية تبدأ بفكرةٍ صغيرة لتنتهي بكارثة عائلية كبيرة، هذا ما حدث للشاب الأمير الوليد بن خالد بن طلال وأثَّر في كيان الأسرة بكاملها، لتصبح غرفة علاج ابنها هي البيت والملاذ للوالدَين, الأمير خالد بن طلال والأميرة الجازي بنت سعود عاشا هذه التجربة الأليمة المتمثِّلة في أكبر أبنائهما. أعواماً متتالية والوالدان يشاهدان ابنهما يكبر تحت الأجهزة طيلة ما يقارب سبع سنوات .

الجازي -بشخصيتها المتميِّزة وروحها المعنوية العالية حتى في أحلك الظروف- أوضحت ما تعرَّض له ابنها الأكبر الوليد إذ خصَّت «عالم المرأة» بمقابلة نادرة سمحتْ لنا بدخول كواليس الحادث والوقوف على معاناة الأسرة.

لنبدأ بتسلسل زمني ونعُدْ قليلاً إلى الوراء ونتحدث عن الوليد قبل الحادث.. ما هي اهتماماته وهواياته؟ كيف تصنِّفينه بين الشباب؟

من الصعب أن أصف وليداً.. وبالتحديد وليد. لديَّ أربعة أبناء: وليد وسعود ومحمد ونوف, ووليد هو الأكبر وله مكانة خاصة في قلبي, وليد يسبق عمره بأشواط.. فهو نشيط من صغره, مسؤول, حسَّاس, قريب إلى كلِّ مَن حوله, قيادي بين أصدقائه, وفي مدرسته, وفي السفر, وحتى في المنزل.

هو حنون, اجتماعي, وعلى درجة كبيرة من التواضع, حتى إني فُوجئتُ بعدد الأصدقاء والناس الذين يعرفونه عندما وقع الحادث.

من أهم هواياته كرة القدم, ربما وَرِثَ حب الرياضة من والده على الرغم من اختلاف توجُّهاتهما فوالده يحب كرة الطائرة, وقد شكَّل وليد فريق كرة قدم يشغل الملعب الذي في منزلنا أغلب الوقت بتدريباته, ليتكِ تنظرين إلى الملعب الآن.. يفتقده كثيراً.

بالإضافة إلى الاهتمامات التجارية, فكان قد بدأ ببعض الأنشطة التجارية تحت إشرافي, وطلب مني أن أعلِّمه وأكون معه, وفعلاً بدأنا بمشروع صغير, وبعد الحادث أكملتُه على طريقته وتركتُه له ليُكمِله هو عندما يفيق بإذن الله تعالى.

سمعنا عن الحادث الأليم الذي اختبركم الله به قبل سبع سنوات, فما هي تفصيلاته؟

على الرغم من الألم الذي يعتريني كلما تذكرت تفصيلات الحادث؛ إلا أنني أرغب حقاً في أن يعرف الناس ما حدث لابني, وهو أولاً وأخيراً قضاءٌ وقدر ولا أملك إلا الرضا بأمر الله. في البداية أنا لا أحاول أن أنكر ولع الوليد بالسيارات شأنه شأن أي شاب في مقتبل العمر.. خرج الوليد في ذاك اليوم إلى المخيَّم في البَرّ نتيجةً لطلبي منه ذلك وكان مقلاًّ في الخروج إلى البَرّ, استأذنني بأخذ سيارة خالته التي تركتها في الكراج فرفضتُ لأنها أمانة ولا أسمح لأحد بالتصرُّف بها, فخرج واستأجر سيارةً من النوع نفسه (هامر). الحادث كان نتيجة قيادة السيارة بسرعة, بالمناسبة المكان لم يكن خَطِراً أو فيه ازدحام أو يحتوي أيَّ نوع من أنواع التجمُّعات الشبابية, كان يقود السيارة فانكسر العمودين الواصلين بين العجلتين الأماميتين والخلفيتين فطارت السيارة إلى الأعلى.. الحادث غريب حتى إنَّ شهود العيان أخبرونا عن غرابة الحادث وغرابة طيران السيارة بهذه القوة إلى الأعلى وانقلابها عدداً من المرات.. طار حينها الوليد من الفتحة العلوية لسقف السيارة وسقط على رأسه. صديقاه لم يُصابا بأي نوع من الأذى ولا رضوض أو خدوش والحمد لله، أما الوليد فقد أُصيب بضربةٍ في الرأس لم يخرج منها أي دم, وبعدها أفاق واجتمع الناس عليهم, وكان أخوه الأصغر محمد موجوداً والحمد لله, أراد أولاد أعمامه من خوفهم عليه أن يحملوه, إلا أنه كان هناك شخصٌ واعٍ حاول أن يمنعهم لكنَّهم لم يُلقوا بالاً لِـما يقول, فهُرع إلى محمد الأخ الأصغر لوليد وطلب منه أن يطلب منهم أن يتركوه ممدَّداً على الأرض ريثما يأتي الإسعاف, حينها فتح الوليد عينيه وسأله: «إيش في؟», فقال له صديقه: «لاشيء.. لاشيء.. لاتتحرَّك.. خلِّيك مكانك يا وليد», فسأله عن صديقه الآخَر: «أين صديقي؟», فأجابه: «إنه بخير وهو مُلقَى على الجهة الثانية», بعدها غاب عن الوعي. وهذا دليلٌ على مسؤولية الوليد واهتمامه بأصدقائه.

ماهو التشخيص الطبي لحالة الوليد؟

كَسْر ونزيف داخلي أدَّى إلى ضغط على المخ. بعد عدة أيام أُجريت عملية للوليد, وبعد العملية أخبرونا بأنَّ الوليد ميت دماغياً ولا أمل منه.

هل كنتِ بانتظار مثل هذه الأخبار بعد العملية؟

أبداً.. أنا إنسانة متفائلة دوماً ولديَّ ثقة بالله تعالى, كنتُ أتوقَّع أن ينادوني ليخبروني بأنَّ الوليد بخير وبأنَّ العملية نجحت, لكن التزامهم الصمت (نظراً إلى أنَّ أبا الوليد طلب منهم عدم إخباري خوفاً من الصدمة) وإحساس الأم أكَّدا لي أنَّ الوليد ليس بخير, فهرب صوتي ولم أفعل شيئاً سوى البكاء.. بقيتُ أربع ساعاتٍ بعدها أصلِّي دون صوت, حاول كثيرون أن يكلِّموني لكنني –صدقاً- لم أكن أملك صوتاً لأردّ.. بقيتُ أردِّد في سرِّي: «يا رب أنا راضية باللي كتبته لي, بس خلِّيلي ياه». كانت تمر عليَّ لحظاتٌ لا أستوعب فيها أنَّ الوليد غائبٌ عن الوعي فأدخل إلى غرفته وأبقى أتحدث لساعات ثم أصرخ طالبةً منه الاستيقاظ.

علمتُ أنَّ هناك قصةً حدثت معكِ بعد سماعكِ بالحادث وأنتِ في المستشفى, فهل تخبريننا بها؟

كلما رويتُ هذه القصة أشعر بأحاسيس غريبة. بعد الحادث جلستُ أبكي وأصلِّي لمدة أربع ساعات, ولكثرة ما بكيتُ تورَّمت ْعيناي.. اتكأتُ على جنبي وأغمضتُ عيني لا أنا بالنائمة ولا بالمستيقظة, أنا مُغلِقةٌ عينيَّ فقط لأنهما تحرقانني من كثرة البكاء. في تلك اللحظة شعرتُ بنور مؤلم في عينيَّ وسمعتُ صوتاً لا هو بصوت أنثى ولا هو بصوت رجل.. هو صوتٌ لم أستطع أن أميز ماهيته, ولكنه تكلَّم معي جملةً واحدة: «يُخرجه من الظلمات إلى النور» وأعادها عليَّ ثلاث مرات. فتحتُ عينيَّ بسرعة وسألتُ ابنة عمي التي عادت لتجلس معي: «مَن كلَّمني؟», قالت: «لا أحد». قلتُ لها: «أخي الشيخ عادل المقبل أتى وكلَّمني؟» (وهو أخي بالرضاعة). قالت: «لا.. لم يحضُر أحد». بعدها جاءني عادل وقصصتُ عليه ما حدث, فهدَّأ من رَوعي وبكى وقال لي: «لا تخافي, اقرئي القرآن فإنَّ الله معكِ». بعدها كلَّما سألني أحدٌ أُخبِره بأنَّ ولدي لا يزال حياً. قضيتُ سنتين ونصفاً تقريباً أنام إلى جانب ولدي على الكرسي, حتى والده كان ينام على الأرض, كنتُ أخاف عليه كثيراً إلى درجة أني أمنع أي شخص من أن يعمل له أي شيء مهما كان صغيراً.. فكنتُ أدهن له قدميه بالكريمات, أقلِّم أظافره, فأنا المسؤولة عنه.. أنا أمه وليست الممرضة أو أي أحد آخر.

أنتِ أميرة.. ألم تجدي صعوبةً في العيش في المستشفى وهو مكان غير مهيَّأ لقضاء حياة طبيعية؟

أنا أعتمد على نفسي إلى درجة أني أسافر بحقيبتي لا أكثر, أستطيع التأقلم والتعايش مع أي وضعٍ أكون فيه, لذلك استطعتُ التأقلم مع الوضع في المستشفى. في اللحظات التي أريد أن أخرج بها من غرفة الوليد تجدينني في بهو المستشفى أخرج من غرفةٍ لأدخل أخرى.. أطمئن على هذا وأقدِّم المساعدة لذاك, أدخل أحياناً إلى غرف لا أجد فيها سوى المريض النائم لوحده فأمسك القرآن وأبدأ بالقراءة فوق رأسه. أدخل استراحة النساء وأبدأ التعرُّف إلى الأخريات. لا أستطيع أن أقف موقف المتفرِّجة وأنا أرى الآخرين يبكون أو يعانون, فكنتُ أحاول التعرُّف إليهم أكثر, أفهم ما يعانونه, وإذا استطعتُ المساعدة فلا أتردَّد لحظةً واحدة.

هل كانوا يعرفون هويتكِ الحقيقية؟

في البداية لا, ولكن ما إن أقدِّم المساعدة حتى يسألوا عني ويعرفوا مَن أنا.

مانوع هذه المساعدات؟ مادية؟

ليست المساعدات المادية هي الطريقة الوحيدة لمساندة الآخرين, أحياناً المساعدات النفسية أكبر بكثير من كل مال الدنيا, عندما تجدين فتاة منهارة تريد أن تدخل فقط لتكون بجانب والدتها وتقدِّمين لها يد العون فهذا أغلى لديها من أي مساعدة مادية. ولكن لا يخلو الأمر من المساعدات المادية.

ماذ تقولين للوليد عندما تجلسين بجانب رأسه؟

لم أجرِّب يوماً أن أعاتبه.. منذ الحادث إلى الآن وأنا لم أعاتبه أبداً, حتى عندما يفيق -إن شاء الله تعالى- لن أعاتبه. في الأيام الأولى بعد الحادث كنتُ أشعر بأنه خائف من والده.. لذلك كثيراً ما كنتُ أطلب أن يقترب أبو الوليد ويُطَمْئِنه, كنتُ أقول له: «تعال طمِّن الوليد». فيما يخص القول أنا لا أقول له أشياء كثيرة بقَدْر ما أشعر به, أجلس بجانبه وأُمسِك يده.. أُشعِره بوجودي.. أتحدَّث عن بعض الذكريات.. أحياناً عندما أتضايق من إخوته أقول له: «قوم يا وليد شوف أخوك» – وتمسح دموعها التي لم تتوقَّف منذ بداية اللقاء – فلقد كان الأقدر على إقناع إخوته. أحياناً أحاول أن أُطَمْئِنه فأُمسِك يده وأضعها على رأسه وأقول له: «رأيت؟ أنتَ لا تشكو من شيء, هو جرح صغير في الرأس».

بما أنكِ في ذلك الوقت كنتِ تقضين جميع وقتكِ في المستشفى بجوار الوليد, فكيف كانت الأنثى الأم والزوجة والأميرة قبل الحادث وبعده؟ ما الذي تغيَّر فيكِ؟

تغيَّرت بعض الأشياء كإنسانة.. فيما سبق كنتُ أجامل كثيراً حتى على حساب نفسي, لكنني الآن استطعتُ أن أخرج من هذا الإطار لأصبح أكثر واقعية. كنتُ أكثر تلقائية في مشاعري وقادرة على التعبير بسهولة, أما الآن فأنا أفتقد هذه التلقائية. قد يرى الآخرون أنَّ هذا التغيير إيجابي ولصالحي, لكني لا أراه كذلك. أصبح الوليد يتجلَّى في كل المرضى من حولي. ما أريد أن أراه في الوليد ولا أستطيع أن أحقِّقه أحاول تحقيقه في المرضى الآخرين. أما إحساس الأنثى في داخلي فقد ازداد من بعد الحادث؛ أصبحتُ قادرة على التواصل مع الأنثى التي في داخلي والاستماع لها بوضوحٍ أكبر.

فيما يخص الأمومة فأنا أم منذ ولادتي.. أذكر أني في عمر الثالثة عشرة كنتُ أجمع أطفال العائلة لألعب معهم وأغسِّلهم, ولقد وصل بي الأمر وأنا في السابعة عشرة من عمري إلى رعاية طفلة عمرها شهر أسميتُها (غادة) ولا تزال تضيء حياتي. تضاعَفَ هذا الإحساس بعد الحادث, وأصبحتْ أغلب زياراتي في المستشفى لقسم الأطفال, حتى أُنهكتُ نفسياً إلى درجةٍ دفعتْ مَن حولي إلى أن يطلبوا مني تخفيف تلك الزيارات، فأنا غير قادرة على منع المرض عن كل الأطفال. مع طول الإقامة في المستشفى بتُّ أشعر بالانتماء إلى الناس أكثر, وربما تُعَد هذه من إيجابيات المستشفى.

من الأشياء التي تغيَّرت فيَّ أيضاً أني أصبحتُ أرغب في أن عيش الألم بكل تفصيلاته.. ازدادت لديَّ الرغبة في أن أعيش الألم بكل ألمه, فيما سبق كنتُ قادرة على مجابهة الألم والحزن ولم أتعلَّم الفرار منه, إلا أنه بعد حادث الوليد ازدادت تلك الشجاعة التي في داخلي لمجابهته.

وماذا عن أولادكِ؟ ما الذي اختلف؟

قبل حادث الوليد بفترة قصيرة بتُّ أشعر بأنَّ هناك حلقة تواصُل مفقودة في العائلة على الرغم من أنَّ الأولاد يحبُّون بعضهم ويلجؤون إليَّ دائماً وأنا على علم بتفصيلات حياتهم, إلا أنَّ كل ذلك لم يُعطِني شعور بالرضا الكامل, ففرضتُ عليهم نظام الاجتماع حول الوجبات الثلاث الإفطار والغداء والعشاء.. يُمنَع منعاً باتاً تناول الطعام خارج المنزل. والطعام أنا أُعِدُّه بيدي «ويا ويله اللي ما يجي وياكل»!. ويُسمَح لهم في يوم الأربعاء بتناول الطعام مع أصدقائهم (الذين أعرفهم), والخميس في منزل عمتهم, والجمعة في منزل والدتي. وكان لهذا الاجتماع حول مائدةٍ واحدة تأثيرٌ عجيبٌ في ترابُط الأولاد فيما بينهم وفي ترابُط العائلة ككل. ولكن في الفترة التي قضيتُها هنا في المستشفى (سنتين ونصف) شعرتُ بأنَّ هذه الرابطة قد ارتخت وابتعدوا عن بعضهم بعضَ الشيء.

بقيتِ سنتين ونصفاً في المستشفى؟

نعم لم أغادره أبداً.. لم أستطع تقبُّل المنزل دون «ديدي» (اسم الدلع للوليد), كنتُ أريد أن أعود وهو معي, لقد خرجتُ من المنزل معه (يومها كنتُ خارجة من المنزل وهو خارج إلى المخيَّم) وهو لم يعد وأنا لم أعد أيضاً.

وماذا عنكِ كزوجة.. ما الذي اختلف؟

لم أعد الزوجة الصبورة.. كنتُ فيما قبل ذات قدرة احتمالية أكبر, أصبحت شخصيتي أكثر وضوحاً أمام عينَي زوجي. فيما سبق لم تكن توجد أسباب كافية تجعل صفاتي تظهر بوضوح, لكن الألم استطاع أن يُخرِج نقاط القوة في داخلي.

ماذا عن الأمير خالد؟

أبو الوليد من صفاته الحرص والانتباه.. قبل حادث الوليد كان حريصاً لكنه ازداد حرصاً بعد الحادث, حتى إنه في إحدى المرات عندما حصل لابني محمد حادث مروري وجاء به المرور إلى هنا أمام المستشفى سأل الأميرُ خالدٌ الضابطَ: «الذي يتسبَّب في حادث وهو المخطئ ماذا تفعلون به؟», أجابه الضابط: «نأخذه إلى السجن», فقال لهم: «خذوه».

المؤمن مُبتَلى ولا يُشاك بشوكةٍ إلَّا وله أجر, فبماذا خرجتِ من هذه التجربة؟

تعلمتُ ألَّا أجزع, كما حذفتُ كلمة «يا ليت» أو «لو» من قاموسي, فما أصابك لم يكن ليخطئك. باتت علاقتي بالله أقوى, وبات يملؤني الرضا, وبتُّ شاكرة له في كل وقت. ماحدث للوليد نعمةٌ لنا ولله فيه حكمة.. ربما في تسخيرنا لخدمة عباده. عندما أساعد الآخرين يأتون ليشكروني فأقول لهم: «لا تشكروني واشكروا الله؛ فهو مَن سخَّرني لخدمتكم وهو الأَولى بالشكر». كما أصبح عطائي للمجتمع أكثر, وأنا الآن أرغب في الإسهام في توسيع مغسلة الأموات في المستشفى.

قد يقول قائلٌ لكِ إنَّ الأحياء أَولى من الأموات..

ومَن قال إني تجاهلتُ الأحياء.. لكن يجب ألَّا تعلم شمالي ما تقدِّم يميني, وما فعلتُه للذين سخَّرني الله لخدمتهم يجب ألَّا يعلمه إلَّا الله تعالى وأنا و هُم.

الوليد أكبر الأبناء في العائلة, ونعلم ما الذي يعنيه الأخ الأكبر في المنزل, فما تأثير حالة الوليد في إخوته؟ هل يفتقدونه في حياتهم؟ وما تأثيره في العائلة بشكلٍ عام؟

غياب وليد الذي ترافَقَ مع غيابي في بداية الحادث أثَّر كثيراً في الأبناء وبخاصةٍ أخوه سعود الذي كان في أمسِّ الحاجة لنا لأنه كان في بداية المراهقة.. سعود ترتيبه الثاني في الأسرة, وهو حنون إلى درجة كبيرة جداً, كان الوليد صديقه في حلِّه وترحاله, وكان يكمِّل أحدهما الآخر, إذ يمثِّل وليد القوة و يمثِّل سعود العقل, أحدهما الفِكْر والآخر العضلات, ولشدة تأثُّر سعود بحالة أخيه كان يمتنع عن زيارته في المستشفى, وإن جاء فهو غير قادر على استيعاب صمت أخيه, فكان يخرج حزيناً مكسوراً من غرفة العناية, وانعكس ما أصاب الوليد حتى على تعامله معنا، فأصبح يُخفي همومه خوفاً من أن يزيد همومنا.

محمد هو الأخ الأصغر وكان له النصيب الأكبر من حب وليد ورعايته, كان وليد متبنِّيه فيحاول أن يعلِّمه كل ما يعلَم, وكان الجميع يرون فيه النسخة المصغَّرة عن الوليد. منذ الحادث أصبح محمد يحاول أن يعوِّض عن غياب وليد ويغطِّي غيابه, حتى إني سمعته في أحد الأيام يقول لوليد في المستشفى: «لا تخاف يا وليد؛ أنا بكون مكانك».

أما نوف فهي ذات شخصية قوية, تحاول أن تخفي تأثُّرها بغياب أخيها وتضحك دائماً, ولكنها في لحظةٍ تتوقَّف عن التمثيل وتبكي وتقول لي: «ماني قادرة.. اشتقتله يا ماما».

لسنا أنا وإخوته الوحيدين الذين نفتقد الوليد.. افتقده أصدقاؤه أيضاً.. قبل أيام كنتُ أتصفَّح «تويتر» -وأنا لستُ من متابعيه- وأثناء تنقُّلي من حسابٍ إلى حساب وجدتُ جروب يُسمَّى بـــ»أصدقاء الوليد», وهذه المفاجأة تعني لي الكثير.. هي دليل على أنَّ أصدقاءه لم ينسوه. بالمناسبة هناك صديق لا يزال إلى جوار الوليد يُطلِق عليه أبو الوليد «صديق ما بعد الغيبوبة «, هو صديقٌ لم يكن مقرَّباً قبل الغيبوبة, ولكن بعد الغيبوبة أصبح صديقه الذي لا يفارقه, وميزة هذا الصديق الإحساس.. فهو يتصل بالوليد بإحساسه. يُدعى هذا الشاب «يحيى», وهو صاحب الصوت الذي ظهر في مقطع الــ: يوتيوب» الـمُعَنْوَن «الأمير خالد يُثبِت استجابة ابنه بالفيديو».

أبناء الأمراء يُطالَبون بأضعاف ما يُطالَب به الأبناء الآخرون من تربية دينية وأخلاقية واجتماعية.. فما هي الطريقة التي تسلكينها لتربية أبنائكِ؟

كل أم هي مربِّية بالفطرة.. لا تحتاج إلى طرق ولا حتى كتب.. ربَّيتُ أولادي بالإحساس.. كنتُ صديقة لهم قبل أن أكون أماً.. أعيش معهم اللحظة.. أساعدهم بنصيحة.. أكون معهم كما يريدون لا كما أريد أنا. خلال المراهقة أعلم أنهم يمرون بسنٍّ حرجة يحتاجون فيها إلى التجربة وإلى هامش حرية يسمح لهم بالتحرك وتقرير شخصياتهم, فأعطيهم ما يريدون, أنا على علم بكل تحركاتهم.. بكل عاداتهم وسلوكياتهم الصحيحة منها والخاطئة. على الأم ألَّا تكون حارساً وشرطياً في حياة الأولاد, حتى إن ارتكبوا الأخطاء فارتكابها أمام عينيها وتكون على دراية خيرٌ من أن تعلم بها من غيرهم, والثقة والتوجيه اللذان تعطيهم إياهما هما الضمان لعودتهم إلى الطريق الصحيح.

ممَّن استقيتِ هذه الطريقة في التربية؟

من والدتي -رحمها الله- أولاً؛ فهي لم تعاملني يوماً على أني أميرة, أنا «الجازي», كانت تعيد دوماً على مسمعي: «مَن أنتِ؟ ألستِ الجازي؟ إذن كوني أنتِ واعتمدي على نفسكِ». ثانياً: دراستي, بالمناسبة دراستي كانت من اختياري وبرغبةٍ مني, والدتي -رحمها الله- تركتْ لي حرية الاختيار فقررتُ أن أكمل في هذا التخصص وهو علم الاجتماع. ثالثاً: عملي؛ فقد عملتُ أخصائية اجتماعية لمدة ثلاث سنوات تقريباً بعد التخرُّج: سنتين في مستشفى الملك خالد الجامعي, وسنة في مستشفى التخصصي.

كل هذه العوامل تكاتفت لتنعكس على طريقة تربيتي ومعاملتي لأولادي. على الأم أن تعلم أنها عندما تربِّي أبناءها فهي لا تربِّي هذا الجيل.. بل سيمتدُّ تأثيرها إلى أجيال قادمة.

ماذا عن المربِّيات؟ ألا يوجد في حياة أولادكِ مربِّيات؟

التربية ليست من مسؤولية المربِّيات, الأولاد سيخرجون للمجتمع كأولادٍ لخالد والجازي. أنا المسؤولة المباشرة عنهم, حتى في أصغر الأشياء كالطعام مثلاً؛ فأنا أُعِدُّه في مطبخي الخاص الذي يُمنَع حتى على العاملات الدخول إليه, أنا أطبخ وأنا أنظِّف، ويإمكانكِ القياس على هذا في كل شيء. توجد عاملات في المنزل لكنني أنا الأم.

كثُرت الأحاديث في الآونة الأخيرة عن الحالة الصحية للوليد وأنه ميت دماغياً وأنه لِزامٌ عليكم فصل أجهزة التنفس عنه راحةً لكم وله, فما هو ردُّكِ؟

أردُّ عليهم بقول الله تعالى: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً (51)} (الإسراء:49- 51).

أخبرتُكم بما أبلغَ به الأطباء أبا الوليد بعد انتهاء العملية من أنه لا أمل في شفاء الوليد, ولكن ماذا حدث بعد عام؟ حينها كنتُ جالسة إلى جوار الوليد فرأيتُه يحاول أن يرفع كتفه ويده, أخبرتُ الأطباء ولم يصدِّقوني وكان ردُّهم أني ربما لم أكن أضع نظارتي وما رأيتُه ما هو إلا تخيُّل. فأجريتُ عملية تصحيح نظر لعينيَّ لأُثبت لهم أنَّ ما رأته عيناي ليس بكذب ولستُ بحاجة إلى نظارة, لأُثبت أنَّ ولدي على قيد الحياة. ثقتي بالله أكبر من كل الطب ومن كل ما يقوله الأطباء.. كان أبو الوليد دائماً يردِّد عليهم قوله تعالى: « {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (سورة الإسراء:85).

هل تذكرين متى بدأ بالحركة والاستجابة لكم؟

بعد عامٍ تقريباً كنتُ أقلِّم أظافر قدمه فحرَّك قدمه.. اندهشتُ فقلتُ له: «وليد.. حرِّك الرِّجْل الثانية» فتجاوبَ معي وحرَّك الرِّجْل الثانية, هُرِعتُ إلى الطبيب وأخبرتُه وأعاد الوليد ما فعله أمام الطبيب, عندها سألتُ الطبيب: «مارأيك ؟», رفع كتفيه وقال لي: «لا أعرف»..
بعد الحادث مباشرةً تحدثتُ إلى طبيب إنكليزي مشهور في جراحة المخ والأعصاب لا يحضُرني اسمه, قال لي: «نحن لا نعرف عن المخ أكثر من 30 بالمئة, و70 بالمئة لا نعرف عنها شيئاً» أو كما قالها حرفياً: «in the dark».

علمتُ أنَّ سمو الأمير خالد بن طلال قد تقدَّم بمشروع مستشفى خاص بحالات الغيبوبة, حدِّثينا عن المشروع أكثر وماذا حلَّ به؟

لقد طُرحَت الفكرة إعلامياً وستُعرَض على ولاة الأمر بعد انتقال الوليد إلى عناية المنزل. وهي فكرة قائمة على إنشاء مستشفى ومركز للأبحاث للحالات طويلة الأمد (مما يُطلَق عليه «لا يُرجى برؤه»)؛ انطلاقاً من مبدأ أنَّ الروح من أمر ربي فلا يحق لأحد أن يأخذ القرار بإنهاء حياة أي إنسان, والآلات هي وسائل مُساعِدة وليست الأصل, لو أراد الله لإنسانٍ أن يموت فكل آلات الأرض لا تستطيع إبقاءه على هذه الحياة ولو حتى لثوانٍ. أعطوا أصحاب هذه الحالات حقَّهم من العناية والوقت فهم لا يحتاجون إلاَّ إلى فضل الله ثم إلى العناية والوقت.

مَن يدفع الثمن الأكبر في نظركِ في حوادث السيارات: الأهل أم الأولاد؟ كلاهما يتحمَّل المسؤولية, لكن مَن يتحمَّلها أكثر؟

الأهل يتحمَّلون المسؤولية الكبرى, وللأسف هم مَن يدفعون الثمن الأكبر. المشكلة تكمن أحياناً في طريقة التربية, فنرى الاستهتار الناجم عن حبِّ الأولاد, إذ يُعطى الولد سيارةً أو سيارتين وهو ما زال في عمرٍ صغير وغير قادر على تحمُّل المسؤولية.

قد يكون الشاب ناجحاً وعلى درجة من الأخلاق العالية والتعليم ومع هذا فقد نراه «يفحِّط», فما الذي يدفع الشباب إلى هذا؟

معرفة سبب المشكلة نصف الحل.. المشكلة دوماً تبدأ من اللَّبِنة الأولى وهي العائلة, فالوالدان كلما مارسا ضغطاً أكبر كلما كان الانفجار أكبر.

هناك كثير ممَّن يربطون الحوادث بالاستهتار وقلة المسؤولية, فماهو رأيكِ؟ وهل السرعة التي يلجأ إليها الشباب في كثيرٍ من الأحيان هي نوع من الاستهتار أم نوع من تفريغ الطاقات؟

الاستهتار موجود, لكن السبب الأكبر هو وجود طاقات تحتاج إلى تفريغ. لماذا لا نلتفت إلى الإحصائيات والدراسات التي تشير إلى أننا من الدول التي تسجِّل أرقاماً كبيرةً في نسبة الحوادث؟ هناك عوامل أسهمت في تكريس هذه الظاهرة مثل وفرة المال، لكن وجود الطاقات المكبوتة هو وقود هذه الظاهرة. فرِّغوا طاقات أبنائنا ووجِّهوا هذه الطاقات بالاتجاه الصحيح وستلمسون تراجُعاً في نِسَب الحوادث.

تشير إحدى الإحصائيات إلى أنَّ نحو سبعة آلاف شخص يلقون حتفهم سنوياً جرَّاء الحوادث المرورية في المملكة (20 شخصاً في اليوم الواحد؛ أي بمعدَّل قتيل واحد كل ساعة تقريباً), والشباب لهم نصيب الأسد في هذه الإحصائيات, وأغلب هذه الحوادث بسبب السرعة الزائدة, فما هو المطلوب من حكومة المملكة؟ كيف تستطيع الدولة أن تستوعب هذه المشكلة وتحلها أو أن تخفِّف منها على أقل تقدير؟

على الدولة أن تعي أنَّ هناك مشكلة كبيرة تواجه الشباب وتحتاج إلى عقول شابَّة لتعالجها, وأركِّز على العقول الشابَّة.. فمهما كانت عقول الكبار قادرة على التفكير والتخطيط لن تكون قادرة على فهم ما يريده الشباب تماماً, ونحن -ولله الحمد والمنَّة- لا نشكو من قلة العقول الشابَّة الواعية. احتضِنوا كل فئات الشباب, لا تقولوا نحن بحاجة إلى الشباب الواعي فنترك الشباب الأقل وعياً.. يقولون إنَّ التفاحة الفاسدة تُفسد البقية فلماذا علينا عزل التفاحة الفاسدة بينما بإمكاننا إصلاحها واحتواؤها؟ بذور الخير مزروعةٌ في قلب هذا الجيل وتحتاج فقط إلى تربة خصبة لتنمو, فلماذا لا نكوِّن هذه التربة لخيرنا وخير ديننا ووطننا؟

ألا توجد حلول؟

الحل يكمن في معرفة الطريقة الأجدى لتفريغ هذه الطاقات. لنأخذ السرعة على سبيل المثال: ينبغي أن يكون للشباب ساحات خاصة مجهَّزة بأمكنة للمتفرِّجين وحماية للمشاركين ودون قيدٍ أو شرط؛ إذ كلما زادت الشروط والقيود دفعت الشباب إلى الهروب والعودة إلى أمكنة تجمُّعاتهم القديمة وزادت الحوادث ولم تنقص. يجب أن يكون هناك أمكنة لتفريغ الطاقات دون وجود رقابة خانقة تدفعهم إلى الهروب.

في الختام, بماذا تنصحين الآباء والأمهات؟

«كوني الصديقة قبل أن تكوني الأم.. كوني الأخت قبل أن تكوني الأم.. كوني الحبيبة قبل أن تكوني الأم.. ثم كوني أماً».

«كن الصديق قبل أن تكون الأب.. كن الأخ قبل أن تكون الأب.. كن الحبيب قبل أن تكون الأب.. ثم كن أباً».
نقلته لنستفيد

إحساس
01-13-13, 11:30 AM
يعطيك العافية دانيال

دانيال
01-28-13, 09:43 PM
الله يعافيك..